•   info@saudiusa.com
فكرنا بين النقاش و التلقين
( 0 Votes ) 
26 أيار 2015

فكرنا بين النقاش و التلقين

عبدالله محمد الحربي

لاتزال ذاكرتي تستحضر أمامي مشهداً لا أنساه عندما كنت طالباً في الثانوية العامة. ففي إحدى حصص التربية الإسلامية، طرح معلمنا الكريم موضوعاً علمياً شائكاً و الذي يُعد أحد أهم المسائل العلمية التي أثرت في ثقافات العالم، فكانت تلك سابقة لم أشهد لها مثيلاً طيلة فترة التعليم الأساسي التي مررت بها. كان الموضوع عن نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي، و من تلك اللحظة أصابني انجذاب نحو القراءة و حب التعلم.

و مع مرور الأيام أدركت أن تلك السابقة تعد نمطاً شذ عن قاعدة التلقين التي تعودنا عليها في مراحل التعليم الأساسي. 

 


في تلك الحصة و الحصة التي تلتها استطرد المعلم الكريم في طرح النظرية و قام باستقبال التساؤلات من الطلاب و كان واسع الأفق في تعامله مع تلاميذه. و حينما أعدت النظر في ذلك المشهد مراراً و تكراراً طيلة الفترة التي تلته؛ وجدت أنني قد اكتسبت نوعاً جديداً من طرق التفكير، و هنا كانت الفائدة العظيمة بحيث توسع الإدراك، و اتضحت أدوات جديدة للتفكير أمامي من خلال مساحة للنقاش انشأها ذلك المعلم و حث الطلاب على التفاعل بها. 


حينما استخدم المعلم ذلك النمط الجديد في التعليم أتاح فرصة التساؤل بين طلابه و حث على إعمال الذهن في النقد والمشاركة في استيضاح الغامض، مما يُعين على تذليل الطريق للطالب بأن يكون واثقا من نفسه في التعامل مع مثل هذه القضايا العلمية. و للأسف قد تكون الشكاية في هذا المضمار غير سارة لكثير من المعلمين ولكن ما واجهته في حياتي لم يدع لي مجالاً لكتمان ما أشعر به، فإن العلاقة التي تربط المعلم بالطالب في مجتمعنا مبنية بشكل عام على التلقين بهدف الوصول إلى تكوين شخصية لها قالب معين يُسقط جميع المشخصات الأخرى التي يتمتع الفرد فيها بالاستقلالية والحرية التي انعم الله بها عليه. ولنكن صادقين مع أنفسنا في هذا المجال و نقول بأن مثل هذا السلوك التعليمي لَيُخفي عن الطالب أهم جوانب البحث لديه، و هو البحث عن مكامن القوة و نقاط الضعف، و هذا لا يُعد إلا بمثابة التجهيل الذي هو بدوره نقيض الأساس العلمي. 


إن الطريق الذي يُسلك في عملية التعليم لدينا يرتكز على إيصال المعلومة كما هي دون تغيير للطالب، و هذا بدوره يسوق إلى مفهوم معين عن التعليم في الذهن لتكون الصورة الذهنية عن العلم هي التبعية؛ فيُفصل الإنسان عن ذاته و ينحسر دوره داخل نطاق انتظار المعلومة. و لابد أن نعي أن هذا النوع من فكر التعليم قد أضاع الركيزة الأساسية التي يهدف لها العلم وهي التنوع الفكري و البحث فرداً أو جماعةً عن طرائق التفكير العلمي و كيفية البحث عن المعلومة و إعادة النظر فيها بنقدها و تحسينها و إظهار الجانب الشخصي فيها.


فننزع الآن إلى التذمر من آفة القولبة التي نعانيها؛ فما الذي يؤدي بنا الى هذا الحال؟! إن ما يوقعنا في هذا المأزق هو غياب فكرة البحث عن الذات، و علتنا بهذا هو وهمنا بأن درب الحياة مرسوم لنا و ان أجندته واضحة قد وضعها لنا المعلم فأُشربناها، و من هنا نقول: أن دور المعلم قد أصابه القصور بسبب انعدام الرؤية التي تعين الطالب على استخدام المعلومة لا بهدف استحصال الدرجات بل بهدف الوصول الى مكمن الذات و فهم ماهيتها و اكتشاف الموقع المناسب للإنسان المناسب.

قسم التحرير

محتوى هذه المقالة لا تمثل رأي صفحة سعوديون في أمريكا او فريق عملها وانما تمثل رأي كاتبها

- Twitter - Facebook
قسم التحرير

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول