•   info@saudiusa.com
أَخْلَاقِيَّاتُ الـمُـبْـتَـعَـثِـيْـنَ، تَـتَـصَـدَّرُِ الـعَـنَاوِيْـنَ!
( 0 Votes ) 
16 أيار 2015

أَخْلَاقِيَّاتُ الـمُـبْـتَـعَـثِـيْـنَ، تَـتَـصَـدَّرُِ الـعَـنَاوِيْـنَ!

د.عبدالرحمن علي محمد الحكمي الفيفي

في الأُسْبُوعِ الـمُنْـقَضِي اطلعتُ على أكثـرَ من تقريرٍ صَحَـفِيٍّ، ولقاءٍ تلفزيونيٍّ شَـرَفِـيٍّ مع الدُّكتورِ الـمِحْـلِـسِي؛ الذي قامَ بإنقاذِ عشرينيٍّ، من أصلٍ أمريكيٍّ، كانَ في عـراكٍ مع الـهَـلاكِ، إثْـرَ حادثٍ فتَّـاكٍ، على بعدِ ثلاثين قَـدَماً من سيَّـارتِـه التي انقلبتْ من أعْـَلى جِـسْـرِ "Key Bridge" بواشنطُـنَ العَاصِمَة، وأُعجِـبتُ كغيْـرِي بالعملِ الإنسانيِّ الذي قَـامَ به، وأَعرَبْـتُ عن فَخْـرِي بذلكَ الشرفِ المهنيِّ والأخلاقِي الذي قَـدَّمَـه، ورفعـتُ هَـامَـةَ الاعتزازِ

بِالطُـلَّابِ المبتعثيـن؛ الَّتي تُـثْـبِـتُ في كُـلِّ ظَـرْفٍ وحِين؛ بروزَ أفعالِـهَا، ورفعةَ مَـنَالِـهَا، وشموخَ أبطالِـهَا؛ وتَـشِـي مع كُـلِّ صَرْفٍ من صُروفِ السنين؛ بِـسُـمُـوِّهَا الـمُعْـتَـبَـرِ، وعُـلُـوِّها الـمُستَـمِـر على كافةِ الأصْـعِـدَةِ؛ الأخلاقِـيَّـةِ، والعلمِـيَّـةِ، والمهنِـيَّـةِ، والتطوُِّعِـيَّـة.

 

الـعَجـيـبُ، أنَّه لَـمْ يَـمْـضِ على ذلكَ الموقفِ الـمُصِـيْـب؛ الذي شرَّفنا بتقديمهِ الطبيب: عبدالعزيزِ- سِـوَى وقـتٍ وجيـزٍ؛ فبينما كنـتُ متوجهاً بسيارتِي في الجمعةِ التاليـةِ لأداءِ الصلاةِ في مُصلَّى السفارةِ السعوديةِ - إذا بالسيّـدةِ السِّـتينية: "Sherry Belinda" تسقطُ أمامِي على تقاطعِ "Virginia Ave and 23rd St" في مدينةِ واشنطن أيضا! الأمرُ الَّـذي دفعَـني إلى إيقافِ السيارةِ على جانبِ الطريقِ، والوَثْـبِ سريعاً لنجدَتِها، ومعاينةِ حالتِها.


بَـعْـدَ أنْ أمسكتُ بشريانِ سَاعِـدِها، ثُـمَّ تأكدتُ من نَـفَـسِـهَا؛ قمتُ بفحصِ جَـرْحٍ قَطْعِيٍّ بسيطٍ فوقَ حاجِـبِـها الأيمن -أُصيبتْ به جرَّاء السقوطِ على حافةِ رصيفِ الشارعِ- وعَـمَـدْتُ فوراً إلى تضميدهِ لإيقافِ النزيفِ -ببعضِ الإسعافات الأولية الَّتي أحملُها دائماً في سيارتِي- ثم بـدأتُ بعدَ ذلكَ بسؤالِـها عن اسمِـها ومكانِـها وعن الوقـتِ؛ للـتَّـأكُّـدِ من سلامةِ وَعـْيِـهَا؛ لِـيَـتَـبَـيَّـنَ لِيْ بأنَّها ربَّـما قد عانَـتْ من ضربةِ شمسٍ حادَّةٍ، ونقصٍ طفيفٍ في سوائِل جسمِها؛ لكونِـها جاءَتْ سائحةً من ولايةِ جورجيا، وكانتْ تمشِي منذ فجرِ ذلك اليوم الـمُـشْمِـسِ دونَ تناولِ وجبةِ الإفطارِ، أو حتَّى التزوُّد ببعضِ السوائلِ خلالَ سيرِهَا في قَـيْـظِ النَّهار.


بعدَ أنْ تأكدتُ تماماً بأنَّ حالَـتَـها الصحيَّـةَ مستقرةٌ؛ أخذتُـها في سيارتِي إلى مستشفى جورج واشنطن بالعاصمةِ الأمريكيةِ (مع العلمِ بأنَّ هذا أمرٌ خاطِئٌ نِـظَـامَاً؛ فالواجبُ على من يقفُ على مثلِ هَذِهِ الحوادثِ أن يـتَّصلَ مباشرةً بالإسعافِ (911)، ولكنْ بصفتِي طبيبٌ، وكمَا ذكـرتُ سابقاً بأنِّي قد تأكـدتُ بشكلٍ قَطْـعِـيٍّ -عَـمَـلِــيَّـاً- من استقرارِ حالتها العامة، واستبعدتُ بشكلٍ نسبي -نَـظَـرِيَّـاً- الجلطاتِ الدماغيةِ، أو القُصورِ القلبيِّ؛ كسببٍ خـفـيٍّ وراءَ سقوطِـها) وعندما وَصَلْـنَـا إلى طورائ المستشفى سجَّـلتُ حَـالَـتَـهَا، ولم تَـفُـتْ سوى لحظاتٍ يسيرةٍ، لا تتجاوزُ العشرينَ دقيقةً، إلاَّ ونادَى منادِي الطورائ باسمِها مع العِـلْـمِ بأَنَّ "الـمَـفْـرَزَةَ" كانتْ مزدحمة جداً بالمرضَى مما جَـعَـلَـنِـي أُسْـقِـطُ التَّـقـيـيـمَ -بالـتَّـعمِـيمِ- على تقديريَ القديمِ؛ وأعْـتَـقِـدُ بأنَّ وقـتَ الانتظارِ- قد يستغرقُ ساعتين على أقلِّ اعتبار! ولكنَّا -بفضلِ الله، ثم بِـفِـعْـلِ العنايةِ الجيدةِ في ذلكَ المستشفى- دخلـنَـا سريعاً بعد النداءِ على أحدِ الأطبَّـاءِ؛ الذي قَـامَ بواجبهِ المهنيِّ والأخلاقِيِّ معاً، بأفضلِ إنجازٍ مُـتْـقَـنٍ؛ من عنايـةٍ كاملةٍ، ودرايةٍ شاملةٍ- قَـدَّمَـهُا على أمْـثَـلِ وجهٍ مُـمْـكِـنٍ؛ من دماثـةٍ، وبشاشـةٍ، وطلاقـةِ مَـبْـسِـمٍ؛ مُستَـغْـرَبِـةٍ من "طبيبِ طـوارئ" يرضخُ تحتَ وطْـأتِ الضُّـغوطَـاتِ، ومَـشَاهِـدِ الدَّمِ والإصَابَاتِ، وصَـرَخَاتِ الألَمِ والأنَّـات!


وفي غُـضُونِ تلكَ الفتراتِِ؛ إذا بزوجِـها وبعضِ أصدقائِها من نفسِ حَـمْـلَـةِ الرحلةِ السياحيةِ التي جاءَتْ برفـقَـتِـها من ولايةِ جورجيا- قد وَصَـلُوا لمساندَتِـها والوقوفِ معها، ولكنِّي وَدِدْتُ أنْ أكملَ ما كُنتُ قَـدْ بَـدَأتُـهُ؛ وذلكَ بانتظارِ نتائجِ الفحوصاتِ الطبيَّـةِ الأوليَّـةِ؛ للتَّـأكُّـدِ من سلامَـتِـها بشكلٍ قاطِـع، قبلَ أنْ أُوادِع. ثم جاءَ البشير، بأخبارِ الخير؛ فجميعُ المخاوفِ العَـرَضِـيَّـة، والتكهُـناتِ الـمَـرَضِـيَّـة؛ كانتْ كـلُّها سلبـيـةً (أي: لا تدلُ على إعتلالٍ أو اختلال)، وهو الأمرُ الذي أشعَـرَنِـي بأنَّ مُهمـتَّـي قد انْـتَـهَـتْ، ولم يبقَ لِي سوى أنْ أُغَـادِرَ السيِّدةَ: "Sherry"، وكلماتُ الشُّـكرِ والعرفانِ تغمُـرُها، وعباراتُ الحَمْدِ والامْـتِـنانِ -لربنِّا الخالقِ المَنَّانِ- تتسابقُ على لسانِي، والمباركاتُ السعيدةُ على سلامَـتِـها بالـمَـثَـانِـي، ثم تبادلتُ التَّـحايا والسَّـلام، واستمتعـتُ بأطرافِ الكلام- معَ أصدقائِـها من أبناءِ العَـمِّ سَـام؛ الذين تحدَّثُـوا عن محبَّـتِـهم وتقـديرهِم لدولتنا الخَـيِّـرةِ الـنَـيِّـرةِ، وذَكـَرُوا لي بعضَ الـقِـصَصِ الطريفةِ، والصَدَاقاتِ الشريفةَ مع بعضِ السعوديين، ومعَ طلابِ أَحَـدِهِم؛ من زملائِـنا المبتعثين في ولاية جورجيا. فالحمدُ للهِ على تَـتِـمَّـتِـها، بِـبَـهجةِ سَـلامَـتِـها، ثم الحمدُ لجلالِـهِ على إفْضَالِـهِ، في ذلكَ اليومِ المباركِ بِـاسْتِـكْـمَالِـهِ؛ في مُساعدةِ عليلٍ، وعابرِ سبيل؛ وعلى نعمةِ هِـدَايتِـي إلى تسجيلِ صفحةٍ يسيرةِ الـتَّـدوين، عن أبناءِ وبناتِ بلادِ الحرمين؛ لأعضاءِ حملةٍ سياحيةٍ أمريكيةٍ كامِلَـة.


كما لا يفوتُـنِي في هذا المقامِ، أن أَشْكَـرَ جميعَ زملائِـنا الكرام -لاطِّـلاعِيَ التَـامٍ- على مثلِ هذه الحوادثِ الجِـسَامِ؛ التي قَـامَ فيها البعضُ من الطلابِ والطالباتِ المبتعثين- بأعظـمِ إسهـامٍ، على بصيرةٍ سديدةٍ وإلْـمَـامٍ، وعنايةٍ شديدةٍ واهتِـمَامٍ، على أفضلِ ما يُـرام. كما أجـزمُ يـقـيـنـاً، بَـلْ لَـنْ أَحْـنَـثَ لو أقسمتُ يميناً؛ بأنَّـهُ يُـسَـطِّـرُ هَذِهِ المبادئَ الأخلاقيةَ، والقيمَ الإنسانيةَ- كُـلُّ مبتعثٍ سعوديٍّ على جدارِ قلبِـه، وفوقَ جَـبِـيْـنِ دربِـه؛ انطلاقاً من تعاليمِ ديننا الحنيفِ الذي يَـحُـثُّ على مساعدةِ النَّاسِ، من كافةِ الأجناسِ، ويعتبـرُ إغاثةَ الملهوفِ، وتقديـمَ المعروفِ؛ من أعظمِ أبوابِ الخيرِ ذاتِ المكانةِ العاليةِ، والدرجةِ الرفيعةِ في الدُّنيا والآخرَة، ثم استناداً إلى توصياتِ ولاةِ أمرنَـا وقادَتِـنَـا، وتربيـةِ آبائِـنَـا وأمَّـهاتِـنَـا- على التعاملِ بقِـيِـمِـَـنا الـقُـرآنية، والسَّـعْـيِ إلى تمثيلِ مملكتنَـا الإنسانيةِ، ومجتمعاتِـنَـا الـتَّـضامنيةِ؛ بأنقَى مَـنَـاهِـجَ يُـمكنُـنَـا اتِّـباعُها، وبأرقَى نَـمَـاذِجَ نستطيعُ تقديمَها.


كما يطيبُ لِي في الختامِ، أن أسْتَحْضِرَ خيـرَ الكـلامِ، لـرسولِ الأنـامِ، عليه أفضلُ الصلاةِ والسَّلامِ؛ الذي ما انْـقَـطَـعَ تَـردِيْـدُهُ على مَسَامِـعِـنَا، من لسانِ والِـدَتِنَا، أُمِّ عَشَرَاتِ الآلافِ؛ الدكتورةِ: سَـمَـرَ السَّـقَّـافِ "حفظهَا اللهُ"، وذلكَ في كُـلِّ مُحاضَرَةٍ نُصْـغِـي لِحِكْـمَـةِ فِــيْــهَـا، ومَعَ كُـلِّ مناسبةٍ نلـتَـقِـي مُـرْشِـدَتَـنَـا فيها، وهُـوَ حديـثُ جابرِ بن عبدِاللهِ عن رسولِ اللهِ: (خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ)، الحديثُ الشريفُ الذي تليـهِ دائماً عبارَتُـها الشَّهيرةُ: "يا أبنائيَ الأعـزَّاء؛ أنا لا أريدُكم مُـجَـرَّدَ أطـبَّاء، بل أريدُكُم أيضاً سُـفَـراء". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 

قسم التحرير

محتوى هذه المقالة لا تمثل رأي صفحة سعوديون في أمريكا او فريق عملها وانما تمثل رأي كاتبها

- Twitter - Facebook
قسم التحرير

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول