•   info@saudiusa.com
يقولون:
( 0 Votes ) 
18 نيسان 2015

يقولون: "الطالب بلا غش..كالطير بلا عش!"

بدر بن خالد آل عبدالقادر

ألن تجلس مع بقية زملائك في الخلف؟” قالها لي البروفيسور الأمريكي متهكما وهو يهم بتوزيع أوراق الاختبار. التفتّ ورائي لأرى ما كان يقصد، فرأيت مجموعة من الطلاب السعوديين والعرب في الصف الأخير متراصين ومشمرين استعدادا للاختبار. شعرت بحرج شديد من نظرات البروفيسور المشمئزة لهم وهم يتهامسون أجوبة الاختبار طيلة ساعة

كاملة. بإمكان البروفيسور بالطبع، أن يأخذ أوراقهم ويعاقبهم بكل سهولة، لكنه لم ينطق بكلمة فهو يعرف تمام المعرفة أن التعليم الصحيح يرفع بالأمم ولن يكترث بفاعلية تعليم هؤلاء الطلاب لأنهم ببساطة لن يكون لهم تأثير في أمته. وأكثر من ذلك، أنهم قد يكونوا سبب في انحدار اقتصاد أمتهم، ولهذا لم و لن يكترث!

 

 

حدث هذا في بداية دراستي في أمريكا وكنت أُمني النفس أن ما حدث كان نادرا باعتبار أن الطالب المبتعث هنا يختلف عن ما شاهدته في بلادي وأنه عانى واغترب ليكتسب علما يفيد به أمته، ولكن اكتشفت يوما بعد يوم وفي أكثر من جامعة، أن الغش في الاختبارات هو السائد عند أغلب الطلاب السعوديين من دون مبالغة. ومن درس في جامعات أمريكا يعرف ما أقوله جيدا. والأدهى من ذلك هو دفع مئات الدولارات لشراء أشخاص يقومون بكتابة الأوراق الأكاديمية عنهم أو (تسليم) مادة من مواد التعليم عن بعد إلى أشخاص تفننوا في ابتزاز الطالب السعودي لكي يقوموا بها بدلا عنه.

مع كل أسف، تفشت ظاهرة الغش واستفحلت في بلادي وبلاد العرب حتى أصبحت صفة الغش والاحتيال مقرونة بنا، وأكاد أجزم بأن هذا الظاهرة من أهم أسباب تأخرنا المخزي في المجال العلمي والتعليمي والاقتصادي، فانتشرت مقولة “الطالب بلا غش, كالطير بلا عش” ومقولة “انقش تعش” او “فيد نفسك محد بيفيدك” وغيرها وكأننا خلقنا بلا دين أو منهج يعلمنا أمورنا ويزكينا ويحذرنا من الغش والاحتيال في جميع أمورنا الحياتية، قال تعالى” رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “ [البقرة: 129]، وهي دالَّة على الارتِباط بين التعليم والتزكية كما هو ظاهر الآية الكريمة.


الطالب الغشاش يضر نفسه في المقام الأول، فالغش في الجامعة يؤدي إلى الكسب الحرام، فوثيقة التخرج هي شهادة بأن الطالب قد أنهى جميع المواد المطلوبة في تخصصه بجهده، وأنه قد اكتسب علما على ضوئه تتحدد وظيفته وراتبه عندما يعود إلى وطنه، فإن احتال في ذلك وحصل على وظيفة بسبب هذه الشهادة الباطلة، يكون راتبه حرام ويطعم أهله وأبناءه بالحرام والعياذ بالله. قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «من اكتسب مالا من مأثم، فوصل به رحمه، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك كله فقذف به في جهنم» رواه ابو داود. إخوتي المبتعثين، الأمر خطير.. فالذي يغش في الاختبارات يهون عليه الغش والاحتيال في الامور الحياتية الأخرى. لأنه قد تطبّع وسلك طريق الجبناء الذين يبحثون عن أقرب وأسهل الطرق دون محاولة شريفة، ولن يصعب عليه الاحتيال في الامور المالية الأخرى وتصعب عليه الأمانة.

 

قد يتصور البعض أن الأمر ليس بدرجة كبيرة من الخطورة، ويبررون هذا الفعل بأنه مؤقت فقط وبأن هذه التصرفات ستندثر فور العودة إلى الوطن، ولكنني أجزم بأن هذا لن يحدث مهما حاول الشخص، لأنه وبكل بساطة قد سلك طريق الحرام السهل من قبل ولن يثنيه أي شيء عن تحقيق أهدافه الأخرى بنفس الطريقة، فمن شبّ على شيءٍ.. شاب عليه. بنفس الخطورة، فالطالب الغشاش يُضر بزملائه من الطلاب السعوديين الشريفين الذين يبحثون عن الكسب الحلال، وهو بهذا التصرف يحصل على درجات أعلى وهو لا يعرف الكثير عن تخصصه ولم يكتسب علما نافعا يعود بالنفع على المجتمع أو على نفسه. و مع كل الأسف.. قد يحصل على فرص عمل أكثر ممن حصل على شهادته بجده واجتهاده وتعبه، وهذا فيه من الكسب الحرام وتقديم الضعيف على المجتهد "وهو ضرب من السرقة والادعاء بل هو ضرب من الظلم والتزييف وهو إهدار لقيمة تكافؤ الفرص، وهو عدوان صارخ على الأمانة والصدق والمجتمع كله وهو مرض تربوي يجب مقاومته" د. فضيله عرفات.

 

أخيرا، فالطالب الغشاش هو عدو أُمته ومن مسببات ضعفها علميا واقتصاديا، فالدولة تكفلت بصرف مبالغ طائلة لابتعاث الطلاب لانتشال البلد من ضعفها العلمي ولتنويع اقتصادها في شتى المجالات. وبعد أن يقضي الطالب أربعة أو خمسة سنوات في بلاد الغربة، يجدر به وكما هو المأمول، أن يعود بشيء من الفائده لبلده، لا أن يعود بضرر لوطنه وقد امتهن الغش والاحتيال، إضافة إلى تشويهه لسمعة دينه وثقافته، وقد يعود ويتقلّد منصبا يتطلب منه تطبيق ما تعلمه أو يتطلب قدر من الأمانة التي لا يمتلكها. هذا أمر خطير و فيه استنزاف كبير لاقتصاد بلدنا ولن نرقى ما لم ترقى أخلاقنا الإسلامية ونطبقها ونتمسك بها.


البعض، يقر أن الغش من الطرق التي لا تلبق بنا، دينيا واجتماعيا وتربويا، ويقولون أننا مضطرين، والغاية تبرر الوسيله أحيانا، وأن الجميع يفعل ذلك... ولكنهم تناسوا أن الله تعالى قال في محكم تنزيله في سورة المائدة :" قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون". ومن الواضح أن هناك خللاً ما في وضع أُمتنا الإسلامية. عندما ننظر إلى أسباب تأخٌرِنا عن باقي الأُمم نجد أمورا كثيرة من أبرزها تخلينا المشين عن أخلاقنا الإسلامية وتضييعنا للأمانة. لست من هواة طرح المشاكل من دون إيجاد حلول.. لكني أؤمن بأن الحل بأيدينا نحن المبتعثين كوننا خيرة طلاب العلم وقادة نهضتنا في المستقبل عندما نعود إلى أرض الوطن.
 

قسم التحرير

محتوى هذه المقالة لا تمثل رأي صفحة سعوديون في أمريكا او فريق عملها وانما تمثل رأي كاتبها

- Twitter - Facebook
قسم التحرير

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول