•   info@saudiusa.com
( 1 Vote ) 
20 آب 2015

كيمياء الغربة الناجحة

 

روائع المقالات المشاركة في المسابقة الرمضانية 2015م

 

 

مرام عبدالرحمن الابيح


اسمحوا لي أن أعرف الغربة كما عشتها، هي أن تجد نفسك تولد من جديد في مجتمع مختلف عن ذلك الذي نشأت فيه كطفل حديث الولادة بدأ يتعرف على كل شيء حوله، قد تبهره بعض الأمور وقد تخيفه غيرها. وفي كلا الحالتين يتعلم أمور جديدة تجعل منه شخص قادر على مواجهة الحياة حسب تلك الأفكار الذي تلاقاها من أولئك الذين كان لهم دور في تربيته وهذه هي نقطة الاختلاف عن الغربة.

 

بالغربة ستكون مربي نفسك وستتعلم كيف تضبطها وتواجه تحديات كثيره ومسؤوليات عديده وأفكار مختلفة عن تلك التي نشأت عليها. تفافات قد تستغربها أو تستنكرها أو ربما تعشقها و لا عجب إن وجدت نفسك في صراع داخلي في أمور عديدة قد تغير وجه نظرك في بعضها وقد تجعلك أكثر فخرا وعزة في البعض الأخر. و هكذا فعلا ستبدأ مرحلة التفاعل كعنصر جديد دمج مع عوامل أخرى و بدأت تتغير خواصه. وليس من العيب أن نتغير ونجعل ذلك التفاعل يغيرنا فلم نخلق احجارا وإن لم يكن الهدف من الغربة التغير فلماذا نعيش مرارة الاغتراب؟ ولكن الأهم من ذلك إلى أي اتجاه سيقودنا ذلك التغير، هل سيجعل منا اشخاص أفضل فكرا وعلما وخلق؟ وهل سنصل في نهاية تلك التجربة الغير سهلة بما طمحنا إليه؟

 

فماهي مقايس نجاح تجربة كيمياء الغربة؟
النجاح والتخرج في الغربة والوصول للهدف ليس هو النجاح الحقيقي المقصود من كيمياء الغربة الناجحة، و لكن في الحقيقة ذلك جزء مهم من تلك التجربة. النجاح الحقيقي هو نجاحنا حينما نعود للوطن أشخاص أفضل مما ذهبنا عائدين حاملين أفكار وعلم ونوايا صادقه راغبين في زرعها في أرض وطننا وإن لم تكن هناك بيئة لزرعها، علينا أن نستخدم مهاراتنا وفكرنا.

اعلم أن الأفعال ليست سهلة القول، ولكن لن يغير الله حال قوم ما لم يغيروا ما في أنفسهم، واعلم أن المجتمع وبعض العادات والتقاليد التي جعلوها قوانين ثابتة كشرع لم ينزل الله به من سلطان قد تكون محبطة لطموحنا ولكنها ليست حجه تجعلنا نتخلى عن طموحنا لأجلها. وكما أن لكل وادي طريق، فللنجاح طرق واستراتيجيات لتحقيقه وأهمها الأسلوب الحكيم.

 

سأختصر قصه ربما توصل معنى ما أريد ايصاله كان يحيكها جدي رحمه الله عن رجل ذو علم كان مسافرا ومر على قريه يملئها الجهل فوجد فيهم إماما ظالما يسألهم أن يعطوه من أموالهم وخيراتهم ليضمن لهم حياة كريمة بعد الموت وأمور لا يضمنها إلا رب الكون. لم يستطع الرجل تحمل أن يرى شخص يستغل جهل الناس فوقف بينهم يخبرهم أن لا يصدقوا هذا الرجل و أن لا يفرطوا في أموالهم، و أخذ يعظهم و لكن بالمقابل أخبرهم إمامهم الظالم أن هذا الرجل يريد أن يظلكم أرموه خارج المدينة. و من الطبيعي أنهم صدقوا إمامهم ورموه خارج مدينتهم وخرج الرجل غاضبا يلعن الجهل و يشكو رجعية تلك القرية حتى قابل حكيما أخبره أنه أفنى عمره في دراسة مختلف العلوم، ولكنه لم يتعلم كيف يوصلها ونصحه أن يتعلم الأساليب الناجحة في إيصال المعلومة، وان لا يقبل بالظلم حتى لا يصبح ساكتا عن الحق. و بعد عام عاد الرجل لتلك المدينة يخبر الناس أنه كان مخطئا وأنه يريد العفو من إمامهم واخد يجلس معهم حتى وقف ذات يوم يقول: إذا كان إعطاء هذا الإمام الطيب المبارك مالا سيضمن لنا حياتنا بعد موتنا فما بالكم بأخذ شعره منه؟ أكيد ستدخلنا الجنة فصدقه الناس وهجموا على إمامهم كل منهم يريد أن يفوز بشعره لينالوا الجنة حتى كادوا أن يقتلوه واستمر في كل مره يستخدم مثل هده الخطط حتى اتاه الامام يرجوه ان يتركه خائفا على حياته و بذلك استطاع الرجل تغير الكثير وايقاف الإمام من الاستمرار في ظلمه بأسلوبه الحكيم.

 

لا أقصد أن مجتمعنا يعيش هذا الجهل وان المغترب سيكون هو الشخص الوحيد الواعي ولكن بطبيعة الحال أي تغير في أي مجتمع سيواجه تحديات لينجح. لذلك علينا ان نتعلم اساليب ايصال ما تعلمناه باستخدام استراتيجية ابدأ مع الناس من حيث انتهوا و لا تبدأ معهم من حيث انتهيت. لنجني ثمار تلك التجربة، علينا أن نستوعبها ونعود طامحين للتطور الفكري بعيدا عن التطرف والتحيز والعنصرية ليس فقط على السبيل العملي فقط ولكن على جميع نواحي الحياة.

 

لتكون تجربة كيمياء الغربة ناجحة، يجب أن نخرج منها أشخاص قادرين على التأقلم بعد العودة طموحين لبناء وطن حاملين ثقافات مختلفة ومعتزين بثقافتنا عائدين أكثر مرونة ناقلين افكارا جديدة ترفع من مجتمعنا مقدرين أن الفرصة التي حصلنا عليها كم بات غيرنا يحلم بها. فشعرة بين التكبر والفخر بما انجزنا فلننتبه أن لا نكون في جانب المستعلين على وطنهم والمجتمع ولنكن فخرا لهم.

 

وفي الختام سأقول كم منا بكى شوقا لولديه واحبائه وكم منا عانى في الغربة و وجد نفسه وحيدا يتحمل مسؤوليات لم يتحملها يوما في حياته، وكم من أم مبتعثه سهرت ليلا بين كتبها و بين طفل مرض ليلة اختبارها وكم مره خنقتنا العبرة ونحن نزف دموع الفرح لمناسبات تمنينا أن نشارك احبائنا فيها، ودموع حزن نودع فيها أناس لم نتخيل أن نعود يوم ولم نجدهم. كم و كم هيا المواقف التي مررنا بها بعد كل هذا العناء حرام بأن نرضى بأقل من أن ننجح في مقايس كيمياء غربتنا.
 

قسم التحرير

محتوى هذه المقالة لا تمثل رأي صفحة سعوديون في أمريكا او فريق عملها وانما تمثل رأي كاتبها

- Twitter - Facebook
قسم التحرير

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول